هل يشكل إنفصال دارفور سيناريو واقعي؟
بقلم : عامر أبوه حمد

متابعات : تي نيوز
( قراءة تحليلية للبنية الإجتماعية و السياسية للإقليم و أثرها في توفير الحد الأدني لتوافق مكوناته من أجل الإنفصال.)
تُطرح فرضية إنفصال إقليم دارفور بين الحين والآخر كأحد السيناريوهات الممكنة في ظل تصاعد الحرب بسبب التمرد المسلح الذي تقوده مليشيا الجنجويد على الدولة السودانية، و تحديدًا على قيادتها ممثلةً في القوات المسلحة السودانية حامية حمى الدولة و الدستور وعلى المرجعية الشرعية لسلطة الحكم و القرار الوطني ممثلة في الشعب السوداني.
إلا أن القراءة الموضوعية لمجمل المشهد السياسي و الإجتماعي في دارفور تكشف أن هذه الفرضية، و إن لامست مشاعر بعض المتضررين من المركز، تظل غير قابلة للتحقق، لا من حيث الواقع العملي، و لا من حيث التأسيس النظري السليم لدولة قابلة للحياة.
البنية الإجتماعية في دارفور معقدة إلى حدٍّ كبير، إذ تتكوَّن من عشرات القبائل والمجموعات الإثنية التي يصعب جمعها تحت راية واحدة دون توافق حقيقي. فالتصنيف الشعبي المعروف بـ”العرب” و”الزرقة”، الذي أستخدمه هنا فقط لتسهيل التحليل، يخفي تحت سطحه تباينات أعمق و خلافات بين مكوّنات كل مجموعة في نفسها. وهو ما يجعل الحديث عن وحدة داخلية تسمح بتأسيس كيان سياسي مستقل أمراً أقرب إلى التمنّي منه إلى الواقع، حيث لا توجد أرضية متفق عليها – لا سياسيًا و لا إجتماعياً – يمكن البناء عليها لتأسيس دولة دارفورية موحدة.
و لعلّ إعلان مليشيا الجنجويد تشكيل حكومة موازية في دارفور هو أحد أبرز الأمثلة على غياب التخطيط الإستراتيجي و الإنفصال عن الواقع. و هذه الخطوة رغم رمزيتها لا تعني بالضرورة إنفصال الإقليم، لأنها تفتقر إلى أي سند شعبي حقيقي، و لأنها ستُفرض بسلطة السلاح لا بإرادة الناس.
الأخطر من ذلك أن التكوين الذي تقف خلفه هذه الحكومة الموازية يضم بعض المجموعات المنبتة التي تنتمي في غالبيتها إلى خارج النسيج الإجتماعي الدارفوري، بل إن بعضها لا يملك وجودًا فعليًا داخل الرقعة الجغرافية للإقليم – كالجيش الشعبي علي سبيل المثال – ما يجعلهم في حال إعلان الانفصال الفعلي بمثابة “قوة أجنبية” مفروضة على أهل دارفور.
و إلى جانب هذه الموانع البنيوية و السياسية و الإجتماعية، يبرز المعوق الأساسي والجوهري المتمثل في تحكم المليشيا المطلق في “تحالف تأسيس”، و بالتالي فرض رؤيتها الأحادية دون شراكة حقيقية، و هو ما سيؤدي حتمًا إلى تفريخ حكومة موازية على مقاس المليشيا، لا يحظى فيها ما يُسمى بالحلفاء من التنظيمات السياسية الإنتهازية و الطُفيلية إلا بفتات الفتات لأنها تدرك تماماً نهم هذه التنظيمات المرضي للسلطة و الوجاهة الفارغة، و هو نهم يمكن إشباعه عبر مناصب هلامية خالية من أي مضمون أو سلطة تنفيذية حقيقية، لكنها مزينة بأسماء و واجهات براقة تخدم أغراض الدعاية لا الدولة.
إن هذا الخلل البنيوي في تأسيس المشروع ذاته – أي في هُوية الأطراف التي تزعم قيادة الإنفصال – يُعدّ من أوضح مؤشرات الفشل المسبق، فحين يتقدم طرف لا يملك الشرعية الإجتماعية و لا حتى الوجود الميداني الشامل علي كافة الرقعة الجغرافية للدولة ليقود مشروعاً بهذا الحجم، فإن الفشل لا يكون مجرد إحتمال، بل نتيجة شبه حتمية.
و لا يمكن قراءة هذا المشهد دون التذكير بالسجل الإجرامي لمليشيا الجنجويد، و هو سجل دموي طويل لا يبدأ من التمرد الحالي فحسب، فهذه المليشيا التي نشأت في مطلع الألفية الثالثة ارتبط إسمها منذ البداية بإنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في دارفور و كردفان، شملت القتل الجماعي، التهجير القسري، الإغتصاب، و الحرق المنهجي للقرى. و تلك الجرائم التي وُثّقت من قِبل منظمات دولية كـ”هيومن رايتس ووتش” و”الأمم المتحدة”، عادت لتتكرر بصيغ جديدة في حربها هذه، ما يعني أن المليشيا لم تخرج يومًا من منطق الغنيمة و البطش إلى منطق الدولة.
و عطفاً علي ما تقدم ذكره من معوقات موضوعية تنسف فرضية الإنفصال، فإن سلوك هذه المليشيا تجاه المدنيين في هذه الحرب – خاصة من مكونات الزرقة – ينسف أي إمكانية حقيقية لبناء عقد إجتماعي جديد يُحتَرم فيه التنوع و يُحتَضن فيه الجميع، عليه لا يمكن لمشروع إنفصالي تقوده مجموعة متورطة في تاريخ من الإنتهاكات و الجرائم أن يُولد مشروع دولة قابلة للإستمرار، فضلًا عن أن تُحترم دوليًا أو تُقبل شعبياً.
إن بناء الدول لا يتم بخطاب القوة و لا بالمغامرات السياسية، بل يحتاج إلى قاعدة صلبة من التوافق و الشرعية الشعبية، و إلى مشروع وطني واضح المعالم، و هذا كله مفقود في التجربة الراهنة التي يقودها الجنجويد في دارفور، و ما يُطرَح ليس مشروع إنفصال بالمعنى السياسي و المؤسسي، بل مجرد محاولة إنتهازية لملء الفراغ الإداري في أماكن وجودها بسطوة السلاح دون رؤية إستراتيجية.
ختامًا، فإن الطريق نحو إستقرار إقليم دارفور – و السودان كله – لا يمر عبر إنفصاله، بل عبر معالجة الأسباب البنيوية التي أدت إلى الأزمة، في إطار مشروع وطني سوداني شامل يعيد الإعتبار للعدالة و التنوع و الإعتراف المتبادل بين جميع مكونات السودان بأسس المساواة، و إلا فإن دارفور ستظل رهينة لمغامرات عسكرية لا تمثلها، و لا تملك حتي صلاحية التحدث بإسمها.
مشاورات لاستبدال العملة في الخرطوم والجزيرة عقب تشكيل الحكومة
متابعات : تي نيوز/رحاب عبدالله كشفت مصادر مصرفية مطلعة ، عن ترتيبات و مشاورات تجري لبدء اس…