‫الرئيسية‬ غير مصنف فى سيرة(الطيب محمد الطيب)..ذاك المعروف و(تبقى سيرتك هي الكلام)..
مقالات - ‫‫‫‏‫30 ثانية مضت‬

فى سيرة(الطيب محمد الطيب)..ذاك المعروف و(تبقى سيرتك هي الكلام)..

بقلم : د. عبد السلام محمد خير

خاتمة مطاف مما أفاضت فيه(بنيته)إدراكا لمقامه..ولقد صدقت، فإنه وبتاريخ ٦،٢،٢٠٢٥ لاحت على لسانها من جهة دبي سيرة أبوية بلا حدود، تتصدرها مفردات من قبيل(أبي الغالي، العزيز المحترم)..لتبلغ بنا إفصاحا صريحا نبيلا( أنا أفتقدك، ويزيدني وجعا أنني أفتقد وطني، أفتقد كل الملامح والتفاصيل الحنينة التي لن تعود أبدا كما كانت)..سبحان الله..كلمات إبنة بارة بأبيها وبه تباهي.. والدها ليس لها وحدها، إنه مربي الأجيال ثقافيا وسودانيا،عليه رحمة الله..لقد أوحت لي أن ادرك سباق هذا التعريف الحصري ببعض جوانب عامة من حياة أحد رموز الثقافة في البلاد، أعطي وأعطي،ونال شهرة لا تضاهي..عرفته عن قرب، ثم إن(النت) يفيض،وكم من شهود عيان يفضفضون للوسائط..كم من قلم صداح بادر بالإفصاح عن مواقف له،وذكريات صادقة ونبيلة،مؤثرة، فخمة كطلة من هو(الطيب محمد الطيب)- ذاك المعروف جدا.
على طريقة(تعريف المعرف)نمعن النظر إلى كنز من المعارف السودانية..نمضى لنسمو بما عرفنا وفاضت به الأضابير والأفئدة، وهو كثير- كأثره(الطيب)..مما عرف عنه أنه سيرة حياة ممتدة فيما يصلح القوم بالمعارف(1934 ، 2007).. إعلامي وكاتب صحفي وباحث في التراث الشعبي السوداني.. من مواليد المقرن ريفي الدامر، حفظ القرآن بخلوتها، درس المرحلة الأولية والوسطى بأتبرا(عطبرة)..عمل بجامعة الخرطوم- وحدة أبحاث السودان، ثم وزارة الثقافة،مديرا لمركز الفلكلور..إشتهر ببرنامجه التلفزيوني(صور شعبية)- يتناول ثقافة أهل السودان وجذورها ورموزها ومآثرها، مما جعل مادته مرجعا لعدة دوائر معنية بالثقافة والتراث.. البرنامج أسبوعي ميداني يطوف بالكاميرا على الولايات والربوع ..يوثق لفعاليات المحافل الشعبية- ثقافة وفنونا شعبية وإرثا..حلقاته إمتدت لسنوات.
مخرج البرنامج لعدة دورات،عبدالعظيم قمش، يزيدنا علما.. يقول بزهو: عرفته من خلال البرنامج..كنا نتلاقي في مكتب المخرجين، بمقدمه نتهيأ معنويا فننطلق للأقاليم.. شخصيته فزة..إنه واسع المعرفة خاصة في مجال القبائل والأنساب والتقاليد وثقافة الأفراح التي يحفظها بلهجتنها وإيقاعاتها..يتمتع بفطنة العرب الأوائل، يتعرف على من يلاقيه من سحنته فيفيض في سيرة أهله..فى كل قرية له وقفة..يتعرف على رموزها وخصالهم..وهو نفسه تأثر بهذه الثقافة الشعبية ويتجلى ذلك في الأسماء التي إختارها لبناته تيمنا بسودانيات لهن تاريخ.
هكذا تحدث المخرج الذى لازمه، سفرا وأمام الكاميرا وبين طيات سيرة رموز البلد.. تذكرت أنه عرفني من صلتي بشيوخي بخلوة(حاج بلول)الشهيرة بالولاية الشمالية،وقد زارها وكتب عنها..ظل حفيا بي ومشفقا من تعاظم مسؤوليات التلفزيون..يوم أسندت إلي إدارة القناة القومية جاء يحذرني بحميمية:(ما تبقى زي الجمل الذى كلما زادوه حملا يرغي ويزبد)!..فى الأمر نظرية إدارية(العمل في صمت)، فضلا عن ما في باله من صمود(أولاد القبايل).
يضيف (قمش):سبقني في إخراج البرنامج ومنذ بدايته المخرج محمد الحسن السيد، وهو من كبار مخرجي التلفزيون..أول من خرج بكاميرا لإنتاج(صور شعبية)ميدانيا ولفترة طويلة..وكان المخرج محمد الحسن السيد قد أفاض في سيرة الأستاذ الطيب محمد الطيب بمشاركة إحدى كريماته خلال سهرة تلفزيونية في ذكراه.. إستوقفني ما أورده المخرج محمد الحسن السيد عن أسماء كان الأستاذ الطيب يرجع إليها عقب كل حلقة من باب المناصحة، منهم الأستاذ جمال عنقرة، والأستاذ عبد الله آدم خاطر..كان يلتمس ملاحظاتي كمدير للإدارة الثقافية التي يتبع لها البرنامج..ومتى إستلطفت حلقة يخالفني متبسما(لا!..لا!..إنها عين الرضا)!..وظلت علاقتي به محل حفاوة،حتى إنه إصطحبني يوما لمناسبة خاصة هي زواج مخرج البرنامج(قمش)..لاحظت نظرات الجميع تتجه نحوه، فكأنه العريس!..(صينيته)كانت مختلفة!..قدرنا أنهم من برنامجه يعرفون ما يستطيب..تذكرت مقولة له في برنامج(ظلال)ردا على أسئلة إبتكرها من هو أحمد حسن:(أكلتك المفضلة)؟!.. جاء إجابته (نهرة) فما نسيتها:(لا أطيق مثل هذه الأسئلة)!..ويبقى السؤال: من هو هذا الذى عرف بكل هذا..وأكثر- كما سيرد؟!.
نظرة في كامل نشاطه.. إعلاميا ثقافيا وفكريا:
يفيض علما ومعلومات وثقافة وإبداعا وإعلاما..فضلا عن (صور شعبية)على إمتداد 27 عاما متصلة فهو مقدم برامج إذاعية لأكثر من 15 عاما.. وهو كاتب صحفي منذ 1968م، وحتي وفاته في 6 فبراير 2007م.. تأثيره الثقافي عبر التلفزيون يتمدد..فهو عضو بلجنة البرامج الثقافية القائمة أمر الرؤى الكلية للثقافية بين دفتي المعرفة والمتعة..مشاركته متأثرة بدراساته وتطوافه وروح التلاقي والتماهي بلا حدود مع أعضاء اللجنة لكسب رهان التلفزيون كوسيلة ثقافية مشاهدة..علاقته مع الأعضاء مرحة عميقة المردود،ففيهم بروفسورعبدالله حمدنا الله، أستاذ محمد سليمان،بروفسور حسن أحمد الحسن،أستاذ إمام على الشيخ،أستاذ مكي سنادة، بروفسور سعد يوسف،بروفسور أنس العاقب..يتوسطهم بتبحره في ثقافة بلدهم-مؤلفاته شاهدة.
من مؤلفاته :تاريخ قبيلة المناصير من أدبهم الشعبي بالإشتراك مع الشهيد عبد السلام سليمان سعد وعلي سعد علي مدير تنفيذي جنوب دارفور،تاريخ قبيلة البطاحين من أدبهم الشعبي،حياة الحمران من أدبهم ، المرشد لجمع الفلكلور بالإشتراك مع د.مصطفى معبار مصطفى ومحمد عمر بشارة ، الإنداية-دراسة المجتمع السوداني من خلال الحانات الشعبية،الدوباي،الشيخ فرح ودتكتوك- دراسة لعصره واشعاره على عهد السلطنة الزرقاء 1504م-910هـ،المسيد،بيت البكاء،تاريخ المديح النبوي في السودان،الصعاليك،الإبل في السودان.
من نشاطه الفكري:عضو إتحاد الأدباء السودانيين،عضو إتحاد المؤرخين،عضو إتحاد الكتاب السودانيين..شارك في مؤتمرات بأروبا، مصر، الكويت، الإمارات، الصومال وغيرها.. شارك في عشرات المحاضرات بالجمعيات والأندية السودانية.
الجوائز والأوسمة التي نالها:
وسام العلم الفضي عام 1970م،وسام العلم الذهبي من المكتبة القبطية،وسام المجلس القومي للبحوث،ماجستير فخري من جامعة الخرطوم 1982م،وسام العلم الذهبي في الدراسات الشعبية من جامعة الخرطوم،وسام السلام 1989،وسام معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية.
شهادات.. إنجازاته تتباهى:
كم من شهادات جديرة بالإعتبار بل التباهي..الأستاذ عبدالله حميدة، مثقف وناشر وود بلد وجار- حيطة بالحيطة، يقول مفاخرا(لقدهيأ الله لي أن أجاوره منذ منتصف تسعينات القرن الماضي..كان أول من جاءني يبارك.. قال لي كلاما رصينا عن الجيرة، ذكرني بقول الوالدة عليها رحمة الله:(جارك القريب ولا ود أمك البعيد).. تداخلت الأسرتان في ود وعفوية كانتا من صنع هذا الرجل الأصيل وإمتد الصنيع إلي كافة الجيران، يعرفهم بالإسم ويتابع نجاحاتهم بالكلام البليغ..من يدخل منهم كلية الطب لا يناديه إلا (يادكتور أويادكتورة) ومن يدخل منهم كلية الهندسة فهو عنده :باشمهندس.. وألقاب أخري يطلقها علي سجيته فتتهلل لها وجوه صبية الحي وصباياه الذين كسر معهم حاجز الرهبة والكلفة والتكلف..يعرف أسماء أشقائي وأصهاري، ويتابع أخبارهم ويسألني عن أحوالهم فكانوا يبادلونه ودا بود..كثيرا ماكنت أصحبه في سيارته أو يصحبني إلي(خرطوم الترك)أيام شح الوقود..في الطريق كنت أستمتع بثقافته الواسعة..تارة ينشد أويمدح لأولاد حاج الماحي أو يترنم بالمولد العثماني أوالبرزنجي بصوت رخيم لا أظن أن أحدا قد أتيح له سماعه..مهما إسترسلت في تعداد خصاله المدهشة ومواهبه الفريد، فلن أوفيه حقه..كان نسيجا وحده، وكفي.
(بأبيها معجبة)..أفصحت فأبدعت:
وكفى، قالها مثقف عرفه عن قرب، فكأنه إطلع على نفايس ودرر لأقرب الأقربين،إبنته..فى قطعة أدبية،وبتاريخ مفعم بالذكرى والعرفان(6/2/2007، 6/2/2025)كتبت تناجيه وفاء، توثق له بمداد البر- برالوالدين:أبي الغالي العزيز المحترم.. اليوم إكتملت ثمانية عشر عاماً على الرحيل.. إنقضى عمر بحاله.. مر سريعا.. توالت الأيام و السنوات يا أبي ولا يزال هذا الفقد مشروع حزن غائر لا يهدأ ولا يستكين، لكنها الحياة .. كمية من المشاغل، و في كثير من الأوقات مشاغل لا تعني شيئاً.. كذلك هي تمر.. أنا تغيرت كثيرا من تلك التي تركتها خلفك ..نضجت كثيرا وصرت أرى جيدا .. أكثر ما أعيه جيدا أن إستيعابي لهذه الحياة قد إتسع كثيرا كثيرا.. وتقبلي لنفسي تضاعف كثيرا.. فزادت مساحة التصالح في نفسي، بالتالي إمتدت إلي أيادي السكون والسكينة معا .. فصارت كثير من الأمور في منتهى السلاسة ، وهذا ما خلق مني أخرى .. ثم جاءت هذه الحرب لتكمل باقي الدروس والعبر .. أن تخرج من منطقة ألفتك إلى أماكن كثيرة ليس عليك إلا أن تخلق لك فيها جوا يلائمك، وتبعث في نفسك التماسك وتتقدم نحو مجهول دفعتك فيه مرحلة الحياة الحالية.. و منذ زمان يا أبي أنا التزمت الصمت ..وآثرت الحديث إلى نفسي ومحاورتها وبدا لي ذلك أقصر الطرق لمعالجة تلك الأعطاب والحد من آثارها البشعة..أنا أفتقدك، ويزيدني وجعا أنني أفتقد وطني..أفتقد كل الملامح و التفاصيل الحنينة التي لن تعود أبدا كما كانت.. هناك كمٌ هائل سقط لن أستطيع ترميمه وليس لي سوى تجاوزه والمضي قدما..الآن يأخذنا شبح الغربة والفرقة.. لتبدأ يومك بالطواف .. بالرسائل والهواتف المتجولة، ليطمئن ذلك الصوت القلِق الذي يسكن القلب ” الخواف “.. و يكون طريقنا الدعوات الصادقة أن نجتمع من جديد بلا نقصان، ليورق قلب أمي ويهون حزنها .. الآن يا أبي كل ما يهمني(مستقراً آمناً).. نواصل فيه حياتنا بأمان وقبول ومحبة.. هذا على الأقل ما يمكن أن أسميه وطني الآن.. تؤسفني يا أبي كثير من الأشياء، في ذات الوقت أنا أبقيها طي الكتمان، وهذا الأفضل والأكثر حكمة في ظني..حتى الحين يا أبي أنا أتجلّد صبرا .. فآوان البوح لا يزال بعيد الوصول..فلك السلام أبي الطيب..و(تبقى سيرتك هي الكلام).. دبي- ٦،٢،٢٠٢٥.
البركة فيك وفى جيلك أيتها(الطيبية)الوفية لعهد من هو(الطيب محمد الطيب)..رسالة الإبنة السودانية البارة بأبيها هذه، هي إعلان صريح بأن في الأمر بقية من قبيل خواتيم الذكريات الصادقة ونبيلة..أسارع لأدركها وأشير لزيارة له في مرضه الأخير،إتضح لاحقا أنها كانت الأخيرة..ذهبت لتفقد أحواله مع صديقه الأستاذ محمد صالح يعقوب،أحد نجوم حلقات(العصا)الشهيرة المتداولة الآن أسفيريا..ضيوف الحلقات يتصدرهم الدكتور الحبر يوسف نور الدائم مؤصلا للحوار بسيرة(عصا موسى)-عليه السلام،منوها بأريحيته المعهودة،رحمه الله، لسر إحتجاب تفاصيل(مآرب أخرى)الواردة في الآية الكريمة..من يزور الأستاذ الطيب متفقدا تلازمه باقة من حلقات برنامجه عربونا لمدار حديث جديد معه ..ما تكلم لكنه أمنا في صلاة المغرب..عدم كلامه كان كلاما،أدركنا ذلك لاحقا..سرادق يفيض بأصدقائه ومعارفه ،سيرته هي العزاء..(بيت بكاء) صاحبه غائب حاضر..إهتمامات الجمع تدور حول سيرته..الكل كأنه في ندوة موضوعها مما كان يشغله طوال حياته- الثقافة..إقتربت من أتراب له يتوسطهم الدكتور بركات موسي الحواتي..شغلنا موضوع ثقافي من قبيل ما هو قادم(التخطيط الإستراتيجي)..كأنها وصيته للأجيال التواقة لسيرته تفيض عطاء وإخلاصا للبلد وأهلها،وهو في مقره الأبدي بين الخالدين ينعم، بإذن الله..له الرحمة،وللبلد الأمنيات-اللهم بارك لها في ميراثه ليبقى مثالا لجيل معطاء..والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
د.عبدالسلام محمد خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

المواصفات تكشف عن ختم أكثر من (١٩) طناً من السبائك الذهبية

متابعات : تي نيـوز كشفت مدير عام الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس رحبة سعيد، عن ختم أك…