Categories: غير مصنف

بين السماء والسيادة.. أزمة انتهاكات أجواء الأردن والعراق وسبل الحماية الحديثة

متابعات : تي نيوز
كتب : إبراهيم عدلان

   تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا متسارعًا في وتيرة الانتهاكات الجوية، لا سيما عقب التصعيد الإسرائيلي الإيراني الأخير، وما تبعه من تحركات عسكرية في أجواء كل من العراق والأردن. هذه الانتهاكات، التي تمّت دون تنسيق أو إذن مسبق، تضع مبدأ السيادة الجوية في مهب الريح، وتدفع بالمنظمات الدولية – وعلى رأسها منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) – إلى اختبار حقيقي بين الالتزام بالمبادئ وبين الواقع السياسي.

أولاً: الانتهاكات الأخيرة وتحول السماء إلى ميدان صراع

في سياق الردود الإسرائيلية على هجمات إيرانية، شهدت أجواء الأردن والعراق مرور طائرات حربية وصواريخ “عابرة”، بعضها بعلو شاهق، وبعضها ضمن نطاق الملاحة الجوية المدنية. لم تصدر بيانات رسمية صريحة من الأردن أو العراق تدين بشكل مباشر هذه التحركات، مما فُسر – دوليًا – على أنه “صمت ضمني” قد يُقرأ كتنازل سياسي أو ضعف سيادي.
ثانيًا: موقف منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)

حتى الآن، لم تصدر منظمة ICAO أي بيان رسمي يندد بهذه الانتهاكات، رغم أنها تُشكل إخلالًا بالمادة (1) من اتفاقية شيكاغو 1944، والتي تنص بوضوح على:

“لكل دولة السيادة الكاملة والمطلقة على الفضاء الجوي الذي يعلو إقليمها.”

لكن تجدر الإشارة إلى أن صلاحيات المنظمة لا تشمل فرض عقوبات أو تدخلات أمنية مباشرة، بل تقتصر على الجانب الفني والتوصيات، ما يجعل دورها في هذه الأزمة محصورًا في إصدار بيانات عامة أو تبني قرارات توجيهية.

ثالثًا: هل يمكن فرض عقوبات جوية على إسرائيل أو إيران؟

من الناحية القانونية والفنية، لا يمكن لمنظمة ICAO أن تصدر “نشرة بمقاطعة شركات الطيران الإسرائيلية أو الإيرانية”، لأن ذلك يدخل ضمن صلاحيات الدول الأعضاء، وليس المنظمة ذاتها.

لكن يمكن للدول المتضررة:

  • تقديم شكوى رسمية إلى مجلس ICAO،
  • دعوة المنظمة لتقصي الحقائق،
  • والمطالبة بإصدار تحذيرات سلامة جوية لشركات الطيران العالمية بعدم استخدام الأجواء التي شهدت الاختراقات.

رابعًا: هل الارتفاعات الشاهقة تُبرر انتهاك السيادة؟

بعض المحللين يطرح فكرة استخدام “ارتفاعات محايدة” (مثلاً فوق FL600 أو 60,000 قدم) لتفادي الإحراج السياسي، لكن هذا الطرح غير قانوني ومرفوض وفقًا لاتفاقية شيكاغو. السيادة الجوية تمتد من سطح الأرض حتى الفضاء الخارجي، بغض النظر عن الارتفاع.

وبالتالي:

  • لا توجد “أجواء دولية” داخل المجال الجوي السيادي.
  • استخدام مثل هذه الحجج يُعد تنازلًا خطيرًا عن السيادة، حتى وإن تم باسم المرونة التشغيلية.

السماح الضمني باستخدام ارتفاعات معينة للطيران غير المرخص هو تفريط عملي في الحق السيادي الجوي، ولا بد من رفضه صراحةً.
خامسًا: التهديد الجديد – الطائرات بدون طيار (الدرونز)

وسط هذه الأزمات، برز تهديد آخر لا يقل خطرًا: الدرونز العشوائية. هذه الطائرات الصغيرة تُستخدم غالبًا لأغراض تجسسية، أو بشكل عشوائي ترفيهي، لكنها تشكل خطرًا حقيقيًا على الملاحة الجوية، خاصة في المناطق القريبة من المطارات أو المنشآت الحساسة.

أهم المخاطر:

  • خطر الاصطدام بطائرات مدنية.
  • التشويش على الاتصالات أو الملاحة.
  • الاستخدام لأغراض إرهابية أو هجومية.

سادسًا: الوسائل الحمائية من تهديد الدرونز

  1. الإطار القانوني والتنظيمي
  • حظر استخدام الدرونز في مناطق حساسة.
  • إلزام بتسجيل وترخيص الدرونز.
  • فرض عقوبات على الطيران غير المشروع.
  1. أنظمة الرصد والكشف
  • رادارات خاصة لرصد الطائرات الصغيرة.
  • كاميرات حرارية وبصرية.
  • أجهزة كشف إشارات التحكم (RF scanners)
  1. أنظمة التشويش والتعطيل
  • تشويش الترددات اللاسلكية لقطع الاتصال.
  • السيطرة على الدرون بتحكم خارجي (spoofing).
  • استخدام الليزر أو الشباك الطائرة لاعتراض الدرونز.
  1. الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية
  • تحليل تحركات مشبوهة.
  • التنبؤ بالتهديدات قبل وقوعها.
  1. التوعية المجتمعية
  • حملات توعية بمخاطر الدرونز.
  • تطوير تطبيقات إبلاغ مجتمعي.
  • إشراك الشرطة والأمن الوطني في الرصد والمصادرة.

سابعًا: الدور المطلوب من سلطات الطيران المدني

  • إنشاء خريطة رقمية للمناطق المحظورة على الدرونز.
  • منصة إلكترونية لترخيص الرحلات.
  • الربط مع الجهات الأمنية للتدخل السريع.
  • تشجيع الصناعة المحلية لإنتاج أنظمة مضادة للدرون بتكلفة معقولة.

الخلاصة: حماية السماء بين القانون والتقنية

التجاوزات الجوية، سواء كانت بطائرات مقاتلة في ارتفاعات شاهقة أو بطائرات درون صغيرة بلا ترخيص، تمثل انتهاكًا للسيادة وتهديدًا للسلامة الجوية. تجاهل هذه الانتهاكات، أو التماس الأعذار التشغيلية لها، يفتح الباب لتكريس وضع غير قانوني قد يُصبح “قاعدة جديدة”.
وعليه، لا بد من:

  • مواقف دبلوماسية حازمة من الدول المتضررة.
  • تفعيل أدوات الحماية التقنية والتنظيمية في المجال الجوي.
  • مطالبة منظمة ICAO بتحمل مسؤوليتها في حماية سيادة الأجواء، لا كمجرد هيئة فنية، بل كمرجعية دولية يُفترض بها الدفاع عن قواعد النظام الجوي العالمي.

السيادة لا تُقاس بالارتفاع، بل بالموقف.

طائرات الاعتراض – “Drone Hunter”

  1. أنظمة تجارية قيد التطوير
  • Fortem Technologies – DroneHunter® F700
  • طائرة درون مستقلة موجهة بالرادار قادرة على اعتراض الطائرات الصغيرة (Group 1–3)، تستخدم شبكة لصيد الطائرات دون تدميرها، مع قدرة على الإطلاق التلقائي والتعامل متعددة الطائرات في آن واحد ؛ أظهرت نجاحًا بنسبة اعتراض تقارب 85% .
  • MARSS Interceptor
  • طائرة اعتراض بريطانية/سعودية كهربائية، تُدمج الذكاء الاصطناعي ونظام تصوير حراري، تعترض بالطاقة الحركية (ramming) أسراباً من الدرون ضمن مدى حتى 5 كم، وتصل سرعتها إلى 288 كم/س؛ قابلة لإعادة الاستخدام .
  • Raytheon Coyote Block 2
  • منظومة أمريكية تطلق صواريخ صغيرة من نوع C-UAS، تعمل بمحرك نفاث، مدراجة لدى الجيش الأمريكي؛ تُستخدم ضد أسراب الدرون، ويجري تطوير نسخ كهربائية أكثر اقتصاداً .
  1. مشاريع بحثية وأكاديمية
  • “Sky Hunter” – أوكرانيا (Brave1 Cluster)
  • مشروع يجمع بين الرادار وطائرات FPV لاعتراض الدرون بصاروخ أو تفجيره، مع تحكم ذاتي استنادًا للذكاء الاصطناعي؛ تم اختبار نُسخ أولية واعدة .
  • دراسة بحثية (ResearchGate)
  • تطوير “طائرة مفردة” مزودة بشبكة (2 م مزودة بمظلة) تُحملها طائرة كبيرة وتُطلق لصيد الدرون؛ التجربة أثبتت جدوى إمساك درون تزن نحو 1 كغ .
  • نموذج أكاديمي: الاعتراض باستخدام الذكاء الاصطناعي في بيئات محرومة من GPS، يُمكّن الطائرات من تتبع الدرون بشكل مستقل عبر التعلّم العميق .
  1. براءات تقنية ذات صلة
  • US10005556B2 – طائرة درون بصائد شبكي
  • درون مزود بأجهزة استشعار وكاميرات لرصد طائرات الدرون الأخرى، ويطلق شبكات لإعاقتها والتقاطها، وفقًا لتصميم octocopter مع قاذفات شبك متعددة .
  • WO2021150149A1 – درون مع “رأس انغماسي” (ramming head)
  • طائرة صغيرة تدمج تقنية الالتحام الحركي باستخدام رأس مرن، موجهة بواسطة رؤية آلية وذكاء اصطناعي، لتعطيل الدرون المعادي .
  • WO2024209009A1 – نظام اعتراض درون برمي بالباراشوت
  • درون يُطلق عبر منصة أرضية، يحتوي على حساس بصري + نظام إطلاق مظلة عند الإصابة، مكملة لعملية الإعتراض الفنيّ .

سابعًا: التوصيات الوطنية لحماية الأجواء

  1. تبنّي أنظمة Drone Hunter في المطارات ومنشآت الطاقة.
  2. تحديث التشريعات لتجريم الاستخدام غير المرخص للدرونز.
  3. إنشاء غرف عمليات للرصد والتدخل السريع.
  4. دعم الصناعات المحلية في تطوير أنظمة الاعتراض منخفضة الكلفة.
  5. إطلاق حملات توعية وتدريب لأجهزة الأمن والمجتمع المدني.

الخاتمة: حماية السماء مسؤولية الجميع.

التجاوزات الجوية، سواء كانت بطائرات مقاتلة أو درونز صغيرة، تهدد السيادة والملاحة وسلامة البشر. وبينما تقف بعض الجهات الدولية عاجزة عن الرد، تبقى أدوات الدولة السيادية والتقنية هي الملاذ الحقيقي. إن دمج الرادع الدبلوماسي مع الحماية التقنية بات ضرورة عاجلة في بيئة جوية تتغير كل دقيقة

السيادة الجوية ليست شعارًا، بل ممارسة تبدأ من الأرض… وتنتهي عند آخر درون تم إسقاطه .

فريق Tenews

Recent Posts

مشاورات لاستبدال العملة في الخرطوم والجزيرة عقب تشكيل الحكومة

متابعات : تي نيوز/رحاب عبدالله كشفت مصادر مصرفية مطلعة ، عن ترتيبات و مشاورات تجري…

13 ساعة ago

إخفاقات في خطاب رئيس الوزراء لتشكيل حكومة الأمل

بقلم : المهندس منال عبد اللطيف محمد بشير متابعات : تي نيوز ظللنا …منذ فترة…

13 ساعة ago

تعرف على أسماء الوزارات الجديدة في حكومة كامل ادريس

بورتسودان : تي نيوز أعلن رئيس الوزراء السوداني، د. كامل إدريس، يوم الخميس 19 يونيو…

يوم واحد ago

هروب عناصر الدعم السريع: بيع الأسلحة بأسعار زهيدة

متابعات : تي نيوز كشفت مصادر موثوقة عن قيام عناصر من الدعم السريع ببيع أسلحتهم…

يوم واحد ago

تكامل حدودي اقليمي بين السودان ومصر

متابعات : تي نيوز ـ في خطوة جديدة لتعزيز التعاون والتكامل المشترك بين السودان و…

يوم واحد ago

بنك الخرطوم يُحذر من إحتيال إلكتروني يهدد حسابات العملاء

متابعات : تي نيوز أصدر بنك الخرطوم تحذيراً مهماً لعملائه من تنامي محاولات الاحتيال المالي…

يوم واحد ago