مُدْخَلاتُ التَّهَيُّؤِ، فَاسْتِجَابَاتُ الرَّحِيْل (24)

بقلم : د. حسن محد دوكه

متابعات : تي نيوز

” … لُغَةٌ فَوقَ شِفاهٍ من ذهَبٍ، أم نُورٌ في شجَرِ الحُلْمِ المُزْهِرْ، عندَ حُدُودِ الذَّاكِرَةِ الكُبْرَى، الذَّاكِرَةِ الأُولَى ؟. أم صَوتِي يَتَكَوَّرُ طِفلاً كَي يُوْلَدَ في عَتَبَاتِ اللُّغَةِ الزَّرْقَاءْ ؟ …”
(العَوْدةُ إلى سِنَّار”النَّشيدُ الرَّابعُ: الحُلم ” : د. محمد عبد الحي).
مَا كان انتظارُكَ تلبية الدعوةِ المدهشة الكريمة التي فاجأك بها صاحبُ عناقيدِ الكلام بهنا أمدرمان المذيع حينها والأستاذ الدكتور “حالياً” سر الختم عثمان، لزيارته بالإذاعة السودانية، مختبراً صوتك، طمعاً في الانضمام إليها مذيعاً، ما كان انتظارك طويلاً، وما كانت استجابتك سوى القبول الممهور بوافر الشكر والتقدير، فوعدته خيراً، وأوفيت بما وعدتَ.
في بحر أسبوعين اثنين، كنتَ فيهما تحسب للخطوة حساباتها التي ينبغي أن تُحسب، مستشيراً زميليك بالجامعة (د. محجوب بخيت، ود. خليفة جمعة) وقد كانا من ألمع شخصيات الكلية، ونجوم مذيعي إذاعة صوت الأمة السودانية، ذات البرامج الخفيفة المفيدة والإيقاع السريع، جاذبةً عدداً كبيراً من المستمعين الشباب على وجه خاص، ضامةً، محتفيةً بمذيعين ومذيعات شباب، بدعم معنوي كبير ومهول كريم من الراحل صاحب المبادرات الثمينة المعطونة في جدَّتها وجذبها، لِلُبِّ المستمع قبل أذنيه، الأستاذ محمود أبو العزائم، والأستاذ محمد عبد الله عجيمي (طيَّب الله ثراهما). وحينها (1983)، كان أستاذنا صاحب البرنامج ضارب الشهرة والتميز (دُنيا دَبنقا)، محمد سليمان، مديراً لصوت الأمة، يعاونه في طاقم الإدارة أستاذنا الراحل عبد الرحمن أحمد محمد صالح، ومن المذيعين صائدي التَّألق الذين تشرفت بالعمل معهم وتتلمذت على أياديهم، مدربايَ الراحل عباس ساتي، والأستاذ هاشم ميرغني أمدَّ الله في عمره وأسعده. وقد تعلمت الكثير من إخوتي مذيعي صوت الأمة آنذاك الطيب قسم السيد، والهادي المبارك، وحيدر الفاضل، ومحجوب بخيت، وخليفة جمعة، والمذيعات مها فريجون، وفاطمة الصادق، وعفاف أحمد، وليلى عوض، وفتحية إبراهيم، ومن المخرجين، صلاح الدين التوم،وسيد أحمد إبراهيم.
الرَّهبةُ من الخطوة نفسها كانت هي المسيطرة، لما تنطوي عليه من مخافات قد تدحرج حلمك الذي تبرعم وأنتَ ترفل في نِعَمِ بلدتكَ الحبيبة (وددكونه)، بأن تسهم “يوماً ما” باذلاً جهودك موظِّفاً قدراتكَ الكامنة فيك، مستثمراً لما حباك الله به من مواهب تشرَّبت بذرتُها مياه مَنبتِكَ، ونمت على أحضان تربة البلدة الحبيبة الخصبة بفطرتها الإنسانية والطبيعية الولود، ومناخها المواتي لرعاية الناس واحتضانهم دفئاً لا يخالطه تقاعس أو انكسار يورث الخيبة والأسف.
مسؤول المذيعين وكبيرهم بإذاعة صوت الأمة السودانية كان “آنذاك” أستاذنا الراحل عبد الرحمن أحمد محمد صالح، والذي وجَّه بإجراء اختبار صوتي يتم تسجيله على شريط رِيْل (ص)، بعد الاستماع إليك وأنتَ تقرأ مقتطفاتٍ من نشرة وكالة السودان للأنباء (سونا) والتي كانت ترد إلى الإذاعة يومياً ضامةً ومستعرضةً أخبار الدولة الرسمية. فقد تمَّ تكليف الأستاذة فنية الصوت منى عابدين زوجة الراحل المقيم حبينا الإذاعي بخيت أحمد إبراهيم (جومو) الشهير بمكتبته الصوتية المنتقاة (مكتبة جومو)، وبرنامجه (سهرة الأحد)، رحمه الله رحمة واسعة. وبنهاية التسجيل، تم تسليم الشريط للأستاذ عبد الرحمن أحمد، ليعرض على لجنة إجازة المذيعين، والتي أوصت بانضمامكَ لمجموعة المتدربين من الذين اجتازوا اختبار الصوت. وقد استمرت فترة التدريب ثلاثة أشهر كان المدرب هو الراحل عباس ساتي، والذي تم انتدابه للعمل بإذاعة وادي النيل بالقاهرة، ليحل محله مدرباً أستاذنا الإذاعي القدير صاحب الروح الطيبة اللَّمَّاح هاشم مرغني. وقد ضمت مجموعة المتدربين عدداً من الزملاء الأعزاء، على رأسهم الأخ الصديق د. صلاح مدني محمد، وقد تزاملنا في الجامعة، وماليزيا، والآن في اليابان.
ونُواصل.