د. حسن محمد دوكهdokahassan@yahoo.com
متابعات : تي نيوز
“… وَبَكَيْتُ مَا بَكَيْت: مَن تُرى يَمْنَحُنِي طَائِراً يَحْمِلُنِي لِمَغَانِي وَطَنِي، عَبْرَ شَمِسِ المِلْحِ والرِّيْحِ العَقِيْم، لُغَة تَسْطُعُ بالحُّبِّ القَدِيْم ؟ …”
( العَوْدةُ إلى سِنَّار، النَّشيد الثاني: المدينة: د. محمد عبد الحي).
هَبْ أنَّكَ كُنتَ تقوم بأداء واجباتك التي كلفت بها من قِبَلِ أبيكَ، برعاية ضيوف الديوان، وحراسة الخزنة، ومتابعة عمليات تفريغ الذرة وتوزيعها، بكل همة ونشاط ومحبة، وإخلاص، فهل تظُنُّ بأنَّك مَعْفِيٌّ من واجبات بعض تفاصيل المعاش؟ فالبلدة تعتمد مدخلات المعاش فيها وفي ما يجاورها من أرياف وقرى وبلدات، على الزَّرعِ (الذرة، السمسم، الصمغ العربي، القطن، الدخن، الخضروات)، والضَّرْعِ ( ألبان الأبقار، والماعز، والضَّأن)، بجانب صيد الأسماك النيلية. ففي الزراعة لك دورك المرسوم على قدر استطاعتك، وكذا يأتي دورك المحوريُّ الرئيس – بحُكم سنِّك – المتمثل في مراقبة العجول “الـمَصَالِيْب” الفتيَّة (وليدات البقرات الحلوبات) والتي تُوسم جميعها بوسمٍ يشي بملكيتها لأحد أهل البلدة، وعليك رعاية العجول تناوباً مع إخوتك، خوفاً من ملاقاتها أمهاتها، مخافة رضاعتها اللبن (طعام صغار البلدة وكبارها والضيوف)، حيث الزَّجر والتوبيخ ينتظرانك!. كما لا تعفيك من دورك في حمل الجرادل (مواعين) الحليب مُغربية كل يومٍ، ليقوم الرَّاعي المختصُّ بعملية الحَلْبِ، مُكرماً إياكَ بأوَّل حَلْبَةٍ على الماعون (الكوْرِيَّة)، فيدخل بطنك اللَّبنُ طاذجاً دافئاً ذا طعمٍ حُلْوٍ تتذوَّق فيه كلوروفيلات أعشاب البلدة الطرية المنعشة، وعلى شفاهك يرتسم شاربٌ أبيضُ من “الَّرغْوَة”، فتزداد مِنعةً فوق مِنعة صِباكَ، عندها، تتأكَّدُ لديكَ الطَّاقة الجبَّارة التي يبذلها العِجلُ وأنتَ تشُدُّه بكل قواك مانعاً إياه تَلَقُّفَ ضرع أمِّه التي تَحِنُّ “دَارَّةً” حصيلةَ ما كَوَّنَتْه أحشاؤها من لبنٍ يُشْبعُ ابنها المُنتظِر ويَرْوي. والأبقار من الحيوانات ذوات الثدي المجترة المستأنسة، وقد استفاد الناس من حليبها، وجلودها، وروثها، بل يستخدمها المزارعون قديماً وحتى اليوم في حرث الأرض ورِيِّها. وتبدأ الأبقار دورة الولادة بعد أن يصل عمرها عاماً ونصف العام، وقد تلد توأماً أو ثلاثة عجول، حيث تلعق الأم مشيمة المولود عن جسده ليجفَّ، ومن ثمَّ ترضعه، وبعد أقلَّ من ست ساعات من ولادته، يستطيع العجل الوقوف على أربعة أرجل، وهو يحاول المشي والرضاعة وحده قائماً على أرجله. وبحصول الولادة، تتدافع مع إخوتك مزاحمين العجل في اللبأ (السَّرْسُوْب) بمذاقه الحُلو وسعراته الحرارية الداعمة مواطن القوة فيك.
هَبْ أَنَّكَ خلال عطلات المدرسة المتوسطة والثانوية والتي تصادف شهري مارس وأبريل، يتمُّ تكليفُك بمصاحبة لوري إبراهيم (أبو شعر) الأوستن المحمَّل بجوالات الذرة (حصاد الموسم) لتصير أميناً له، تحمل دفترك المنظم الذي تسجل عليه كميات المباع وأسماء القرى الشُّلُكِيَّة التي يشتري أهلوها ما تعرض من حبوب فيتريتة كانوا هم الحاصدين لها، والآن يشترونها طعاماً أساسيَّاً يصنعون منه غذاءهم المكون من مَنَاكَيلو (عجين الذرة المُفَلْفَل كالسُّكْسُكانيَّة)، وأَتَبُوْب ( مديدة الذرة المخمرة الغنية بالفايتمينات) والبَغُو (المريسه)، إضافةً إلى المفضَّل لديهم من لحوم أسماك النيل البُلطِي (خَادم مِيْرِي) ، والبَلْبُوط (أُكُوك)، والكأس، وخَشُم بَنَات. كُنْتُم تتحركون من البلدة الحبيبة بعد الغداء مُتجهين جنوباً، مزودين بالخبز المصنوع منزلياً، والبهارات، والقِرْبَة (السِّعِن)، والمُشمَّع الكبير الذي يستطيع تغطية اللوري بما فيه ومَنْ فيه حال نزولٍ مُبَكِّرٍ للمطر، والسائق يتزود بالبندقية (أم رُوْحَيْن) وطلقاتها الرَّش (للطيور) والـمُدَلْمَتة (للغزلان والنمور والأسود).وعند مغيب الشمس تصلون الغابة متصيدين دجاجات الوادي التي تَتَنَزَّل مُتدلِّيَةً من الأشجار متجهةً نحْوَ ضِفافِ النَّهر النَّبيل لكي تتزود بشرب الماء، عندها تُطلق رصاصةُ رَشٍّ “واحدة” تُصيب – على الأقل- عشر دجاجات، تتعشون بثلثها وأنتم تنصبون المشمع لحافاً ينام عليه الجميع (طاقم اللوري والرُّكَّاب)، وبعيد صلاة الصبح تتحركون نحو كاكا التجارية، مُستضافين من قبل أصدقاء الوالد، مانحين إياهم ما تبقى من دجاجات، لتبدأ عملية البيع فعلياً من كاكا وجنوبها حتى كدوك.
ونواصل
متابعات : تي نيوز وبعد أن بلغ السيل الزبا فى قضية حصار الفاشر التى طال…
وكالات : تي نيوز أعلن مندوب إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، السبت، إن…
متابعات : تي نيوز كتب راصد جوي منذر احمد الحاج في منشور على صفحته الرسمية…
بورتسودان : تي نيوز دشن رئيس مجلس الوزراء، كامل إدريس انطلاق امتحانات الشهادة السودانية للدفعة…
متابعات : تي نيوز كشفت منصة القدرات العسكرية السودانية ان أجهزة التشويش التي تم العثور…
وكالات : تي نيوز أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن وجهة وزارة الخارجية الامريكية…